يأتي هنا إشكال قال المصنف: [ولا دليل لنفاه الصفات فيه، وهو في قوله تعالى: ((أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ)) [يـس:71]].
فيقولون: ليس لله يد عَلَى الحقيقة، ولا يتصف الله باليد كما تقولون؛ لأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ذكر في هذه الآية أنه خلق الأنعام فقال:((مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا)) [يـس:71] فَجَمَعَ اليد، وأنتم تقولون: إن لله يدين، وتقولون: إن المصدر لا يُثَنّى ولا يجمع.
المقصود هنا هو قوله: ((أَيْدِينَا)) فَقَالُوا: أنتم تقولون: إن لله يداً وتقولون: إن لله يدين وتقولون: إن لله أيدي، وهذا ما وردت به النصوص، فكيف تقولون: إن الله يدين كما ذكر، فنحن نقول لهم: ما ذكره الله في الآية: ((لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيّ))[صّ:75] فنحن نقول لهم: هذا فيه إثبات أن لله تَعَالَى يدين، كما يقول في الآية الأخرى رداً عَلَى اليهود في قولهم: ((يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَة)) [المائدة:64] فلما كَانَ المقام مقام رد عليهم من جهة إثبات الصفة لله عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: ((بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ)) [المائدة:64] فعلمنا بذلك قطعاً وصراحة أن لله تَعَالَى يدين، وأن الصفة بلفظ اليدين، ولم يَقُل أيديه مبسوطة.
وكما جَاءَ في الأحاديث الصحيحة {وكلتا يديه يمين} أي: هما يدان، ويأتي في لغة العرب إطلاق المفرد وهو في الحقيقة مثنى وهذا معروف، ولأن جميع النَّاس لكل واحد منهم يدان من حيث العدد، فإذا قال رجل: أخذت بيدي أو عملت بيدي؛ فإنه لا يعني بذلك أنه ليس له إلا يد واحدة، وهذا واضح جداً، ولله المثل الأعلى.

وإذا استخدم الجمع فما معناه وكيف نفهمه؟
نقول: بما أن القُرْآن جَاءَ بأرقى وأفصح الأساليب العربية بلا شك، ولا ينازع في ذلك أحد من هَؤُلاءِ المناظرين، فالإضافة لمَّا جاءت إِلَى ضمير الجمع جُمع المضاف، لأن أول الآية ((أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا)) [يّـس:71] بلفظ الجمع.((لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا))[يّـس:71] لأن المضاف إليه ضمير الجمع "نا" فيجمع إذاً المضاف لمناسبة المضاف إليه، فليس في ذلك نفي لكون اليدين اثنتين وهذا باب معروف في اللغة العربية، كما قال الله عَزَّ وَجَلَّ ((إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا)) [التحريم:4] وهذا لا يناقشون فيه من جهة اللغة.
والمصنف هنا قَالَ: [لأنه تَعَالَى جمع الأيدي لما أضافها إِلَى ضمير الجمع ليتناسب الجمعان، فاللفظان للدلالة عَلَى الملك والعظمة -كلاهما- ولم يقل "أيديَّ"] لأنه إذا أراد أن يجمع المضاف والمضاف إليه مفرد، كما لو كَانَ التعبير هكذا لقَالَ: "أيدي" فهذا المضاف جمع والمضاف إليه مفرد "أيديَّ" فليس هذا هو المراد بذلك، وإلا لو قال "أيدي" لفهمنا أنها أيدي، فلم يقل "أيديَّ" مضافاً إِلَى ضمير المفرد، ولم يقل ((يدينا)) بتثنية اليد مضافة إِلَى ضمير الجمع [فلم يكن قوله: ((مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا))[يّـس:71] نظير قوله تعالى: ((لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيّ))[صّ:75]].
أي: ليست آية ((مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا)) [يّـس:71] مما ينفي دلالة ((لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيّ)) [صّ:75] أو ((بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ)) [المائدة:64] وأمثال ذلك مما ورد في إثبات اليدين، لأنها وردت بهذا اللفظ في المقام الذي لا يحتمل التأويل في الآيات، وكذلك في الأحاديث الصحيحة الثابتة في الصحيحين وغيرهما.